نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب صباح اليوم الجمعة 18 أفريل 2025 يوما دراسيا حول “مشروع قانون أساسي يتعلّق بالموافقة على إتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية والمجلس العربي للاختصاصات الصحية بشأن فتح مكتب تنسيقي بتونس”، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، بحضور السيدة سوسن المبروك والسيد الأنور المرزوقي نائبي رئيس المجلس، والسيد المنصف المعلول نائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، والسيد كمال فرّاح رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب، والسيد شكري حمودة الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية، والسيدة حبيبة الميزوني رئيسة قسم إستشفائي جامعي في الطب، وعدد هام من النواب.
وأكّد السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في بداية الأشغال أنّ المجلس دأب وفق قرارات المكتب على تنظيم يوم دراسي على مستوى الاكاديمية البرلمانية بخصوص القوانين الاساسية ومقترحات القوانين. وأضاف أنّ هذا النّشاط الأكاديمي يهدف إلى دراسة مشروع القانون وتحديد كل الآثار التي من الممكن أن تترتّب عن المصادقة عليه، مع تمكين النواب، بوصفهم المشرّعين، من التعمّق في كل جوانب مشروع القانون وتوضيح عديد النقاط التي يمكن أن يشوبها الغموض ،وذلك إستئناسا بالإطارات العليا وبالخبراء.
وبيّن السيد المنصف المعلول نائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية أنّ تونس تعتبر من البلدان المؤسّسة للمجلس العربي للاختصاصات الصحية.
وأشار الى أنّ هذا الهيكل العلمي بالأساس والمنبثق عن مجلس وزراء الصحة العرب في إطار جامعة الدول العربية، يهدف إلى تحسين الخدمات الصحية في الدول العربية عن طريق تأهيل اختصاصيين في مختلف المجالات الصحية حسب المعايير العلمية العالمية بالتعاون والشراكة مع الهيئات العربية والدولية ذات العلاقة، بما يساهم في تعزيز تبادل الخبرات بين الدول العربية والحد من هجرة الكفاءات الصحية العربية نحو الخارج.
وأكّد أنّ فتح مكتب تنسيقي لهذا المجلس بتونس سيمكّن من تعزيز دور الجمهورية التونسية ودول المغرب العربي في أنشطته والاستفادة من البرامج والخدمات التي يقدّمها بما يتيح تكوين الكفاءات الوطنية بمقاربة دولية ويعطي قيمة أكبر لشهائدهم، بالإضافة إلى تكوين الأخصائيين من مختلف الدول العربية، بما يساهم في إشعاع بلادنا عربيا ودوليا في المجال الصحّي. وأضاف أنّ بعث هذا المكتب بتونس سيدعم إشعاع المدرسة الصحية التونسية عربيا ودوليا، بما يعزّز السياحة الصحية ويدعم تصدير الأدوية والمنتجات الصحية التونسية الى جانب توطيد الشراكة بين البلدان العربية في الميدان الصحي.
وأضاف أن تونس، باعتبار ريادتها في المجال الصحّي على مستوى بلدان المغرب العربي، بإمكانها المساهمة في تقريب وجهات النّظر بين المنظومة الأكاديمية لهذه الدول ذات المرجعية الفرنكوفونية والمنظومة الانجلوسكسونية المعتمدة بدول المشرق والاستفادة بصفة خاصة من الريادة العالمية للتكنولوجيا الأمريكية في التدريب والتقييم والاعتماد .
وأكّد في ختام كلمته أهمية استغلال بلادنا لخدمات هذا المجلس في تقديم الدعم لبعض التخصّصات الصحّية التي تواجه صعوبات على مستوى سوق الشغل والترفيع في عدد الطلبة الموجّهين للدّراسات الطبية ومختلف الاختصاصات الصحية ذات التشغيلية العالية لسد النقص في صفوف أطباء الاختصاص على المستوى الوطني وتقديم الدعم لمن يستحقه من الدول العربية.
من جهته بيّن السيد كمال فرّاح رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب، أنّ المجلس العربي للاختصاصات الصحية تأسّس سنة 1978 في دمشق بموجب قرار من وزراء الصحة العرب ويهدف الى تحسين الخدمات الصحية في الوطن العربي عن طريق رفع المستوى العلمي والمعرفي، وهو ما يجسّم مفهوم الخبرة ونبل الأهداف في هذا المجال.
وأضاف أن فتح مكتب تنسيقي بتونس يعني ضمنيا الاعتراف بريادة بلادنا في المجال الطبّي باعتبارها ستكون همزة وصل بين المجلس وبقية دول المغرب العربي، ولاسيما من حيث تنظيم الامتحانات والمساعدة على ترجمة أسئلة الامتحانات الخاصة بالمجلس الى اللغة الفرنسية.
وبيّن من جهة أخرى أنّ لجنة الاشراف على المكتب التنسيقي هي لجنة تونسية حيث تسند رئاستها إلى وزير الصحة ويعاضده ممثل الجمهورية التونسية بالهيئة العليا للمجلس العربي للاختصاصات الصحية، ومدير عام الصحة، ورئيس المكتب الوطني لهيئة الاختصاصات الصحية، ومدير عام التعليم العالي، وثلاثة أعضاء من ممثلي الجمهورية التونسية بالمجالس العلمية للمجلس العربي للاختصاصات الصحية.
وأضاف أنّ هذه الاتفاقية تولّت صياغتها وزارة الشؤون الخارجية ، وأمضى عليها وزير الصحة، وهو ما يعني أنها غير مسقطة وتحفظ حقوق تونس وسيادتها.
وفي مداخلته قدّم السيّد شكري حمودة، الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية، المجلس العربي للإختصاصات الصحية وأهدافه وتركيبته. وبيّن أنّ هذا المجلس تأسّس بناء على قرار صادر من مجلس وزراء الصحة العرب ويهدف إلى تحسين الخدمات الصحيّة في الدّول العربيّة عن طريق تأهيل اختصاصيّين في المجالات الصحية ذوي كفاءة مهنيّة وعلميّة عالية وفق المعايير العالميّة. كما أكّد أن أخذ القرار على مستوى المجلس يستند الى تحليل الوضع الدّائري ودراسة المحيط.
وأشار الى السّبق التونسي في إثراء البعد الأكاديمي للمنظومة الطبيّة، مستشهدا في هذا الصّدد بكليّات الطب بكلّ من تونس وصفاقس والمنستير، فضلا عن إنشاء هيئة الاختصاصات، وذكّر بأنّ تونس تعدّ من الروّاد والمؤسّسين في سلك الأطباء المبرّزين.
كما تطرّق الى انفتاح المنظومة الصحيّة التونسيّة على المنظومة الأنقلوسكسونيّة، فضلا عن توطيد تعاونها مع نظيرتها الفرنكوفونيّة.
كما قدّم السيّد شكري حمودة بسطة حول أوجه وآليات التعاون والتنسيق بين مختلف هيئات الاختصاصات الصحية في الدول الأعضاء. وأشار في نفس السياق إلى استراتيجيّة المجلس العربي للاختصاصات الصحيّة القائمة أساسا على حوكمة قدرات المجلس العربي لتحقيق الكفاءة المؤسسية، وتوسيع وتعزيز برامج الاختصاصات الصحية لتلبية احتياجات الأنظمة الصحية، وتطوير منظومة الاعتماد لضمان وتحسين جودة التدريب التخصّصي. وأبرز في سياق متّصل الجهود المبذولة في مجال التحوّل الرّقمي.
وقدّمت السيدة حبيبة الميزوني رئيسة قسم إستشفائي جامعي في الطب، مداخلة أبرزت من خلالها أهميّة مشروع هذا القانون الذي سيسمح بالإعتماد المؤسّسي لكليات الطب بالجمهورية التونسية في المجلس العربي للإختصاصات الطبية. وأكّدت في هذا الإطار، القيمة العلميّة للتكوين الطبّي في تونس والاعتراف العربي بريادة تونس في هذا المجال، مبيّنة أنه بمقتضى هذه الاتفاقيّة موضوع مشروع القانون المعروض سيصبح التّكوين التونسي في المجال الطبّي معتمدا بصفة رسمية لدى بقيّة الدّول العربيّة، بالتالي يُفتح المجال للطلبة من الوطن العربي للتكوّن في تونس في هذا المجال بصفة قانونيّة وهو ما سيزيد من إشعاع تونس عربيّا.
وفي جانب آخر من مداخلتها، تطرّقت السيدة حبيبة الميزوني إلى موضوع التطبيب عن بعد، المتمثّل في تقديم خدمات التشخيص والفحص والمعاينة الطبية للمريض من خلال وسائل الاتصالات الالكترونيّة، التي انطلقت في مناطق محدودة في تونس. وأكّدت أهميّة تطوير هذه التجربة وتعميمها. كما تطرّقت إلى التجربة الأمريكية في مجال التطبيب عن بعد وتأثيرها الايجابيّ اجتماعيّا وعلميّا.
وأكّد عدد من النواب في تدخّلاتهم أنّ المجال الطبي يعد من ثمار المعارف المكرسة للأمل لفائدة الإنسانية أمام التداعيات العالمية والرهانات الصحية المطروحة وعلى وجه الخصوص في التعامل مع الأمراض المستجدة والسارية. واعتبر البعض أنّ لتونس منطلقات قوية لمزيد تعزيز مكانتها الريادية في المجال الطبي وتنويع روافده التكوينية والتقنية خاصة لفائدة الأطباء الشبان.
كما تساءلوا عن خصوصية التعاون الطبي مع الأردن ومصر مقترحين تنويع التسهيلات الإجرائية فيما يتعلّق بالبرامج التكوينية لفائدة طب الاختصاص. ونوّه البعض في السياق ذاته بالمزايا الأكاديمية والتقنية لبرامج التعليم الطبية التلفزية، وباستخدام التقنيات عن بعد، معتبرين هذا التوجه ثورة في الطب وفي العلم.
وتساءل النواب عن الإجراءات التي تتخذها السلطات التونسية لضمان أمن المقر الطبي التنسيقي الجديد والمحافظة على سلامته.
ومن منطلق تأكيد أهمية التعاون في المجالات التقنية الطبية، دعا بعض النواب إلى مزيد تعزيز علاقات التعاون جنوب جنوب خاصة في ضوء الرهانات الصحية المطروحة دون عزلها عن بعدها الإنساني، مشدّدين في السياق ذاته على تناغم الأداء الطبي مع البعد الاجتماعي.
وتعقيبا على تدخلات النواب قدّم السيّد شكري حمودة الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية توضيحات حول بعض المسائل القانونية المتعلّقة بالأدوار التي يضطلع بها مجلس وزراء الصحة العرب والدول الأعضاء. كما تطرق إلى مسائل تتصل بالحصانة لفائدة المتكونين في المجال الطبي والمقاربات المقارنة في طب الإختصاص. و تطرّقت السيدة حبيبة الميزوني رئيسة قسم استشفائي جامعي في الطب من جهتها، الى أهمية تقاسم وتبادل المهارات كضمانة لجودة الخدمة الصحية .ودعت الى اعتماد استراتيجة شاملة وكاملة خاصة على مستوى التكوين والمرافقة والإسناد لفائدة الأطبّاء الشبّان.
وفي ختام هذا اليوم الدراسي أكّد رئيس مجلس نواب الشعب أهمية التدخلات البنّاءة التي تم تقديمها وتمثّل لبنة أساسية لسير المعطيات الإجرائية المتّصلة بالقانون المتعلق بالتعاون بين حكومة الجمهورية التونسية والمجلس العربي للاختصاصات الصحّية.
وأشار إلى أن المرونة المميّزة للإطار القانوني لفتح هذا المكتب كفيلة بأن تجسّد مرحلة البناء للعقل العربي وللطاقات البشرية في دفع التكوين والمعارف الداعمة لحفظ حياة الإنسان وتنمية مهارات الكفاءات الطبية.
Post comments (0)